السبت، 6 سبتمبر 2008

النحت في العصر البطلمي 2

قطع النحت التي تختلط فيها العناصر المصرية والإغريقية طباعة أرسل لصديق
قطع النحت التي تختلط فيها العناصر المصرية والإغريقيةلقد سلف القول بأننا نقصد بذلك قطع النحت التي يكون طرازها غريبًا عن مادتها أو موضوعها ، ومثل ذلك رأس للإسكندر الأكبر طرازها إغريقي لكنها مصنوعة من البازلت أو الجرانيت وهما مادتان غريبتان من الفن الإغريقي ؛ ومثل صنع تماثيل لآلهة مصرية بطراز إغريقي ، أو إعطاء خواص مصرية لآلهة إغريقية ، أو معالجة موضوعات إغريقية بطراز مصري .
ولماكان الطراز هو جوهر أي فن. لأنه يعبر عن أفكار الفنان ومن ثم يحمل طابع حضارته، فإن اختلاط العناصر المصرية والإغريقية كالموضوعات والخواص والمواد لا ينهض دليلاً على امتزاج الطرازين المصري والإغريقي وتبعًا لذلك امتزاج الحضارتين المصرية والإغريقية. إن اختلاط تلك العناصر الثانوية هو نتيجة طبيعية لالتقاء المصريين والإغريق في بيئة واحدة ومقدرة الفنان على تكييف نفسه حسب الظروف التي يعيش فهيا، وليس نتيجة امتزاج الحضارتين المصرية والإغريقية، ولذلك من الخطأ أن يقال أن بتمثال تأثيرًا إغريقيًا أو مصريًا، لأن مادته أو رداءه أو موضوعه إغريقي أو مصري.

وأمثلة هذا النوع من قطع النحت كثيرة متعددة ولا نرى موجبًا لذكرها جميعًا، بل نكتفي بذكر بعضها فقط. ومثال ذلك رأس للإسكندر الأكبر في متحف الإسكندرية مصنوعة من الجرانيت الأحمر. وهو مادة عربية عن الفن الإغريقي بقدر ما هي شائعة في الفن المصري. ويبدو أن العينين كانتا مصنوعتين من مادة أخرى، وهو أمر لم يألفه الفن الإغريقي بعد. ويوجد في قمة الرأس ثقب كبير لعله كان يراد به تثبيت تاج آمون فيه. ومع كل ذلك فإن طراز هذه الرأي إغريقي بحت ونلمس فيه أثر لييبوس وفي كوبنهاجن رأس ضخمة من البازلت تعتبر أحسن تصوير تعرفه لبطلميوس الثالث، وبطبيعة الحال لم يؤثر نوع مادتها في طرازها الإغريقي. نرى مثلاً آخرًا في رأس من الجرانيت، تحمل نقشًا هيروغليفيًا باسم بطلميوس السادس.

وقبل أن نستعرض بعض الأمثلة التي ترينا موضوعات مصرية معالجة بطراز إغريقي، سنعود مرة أخرى إلى نقود البطالمة، إذ أن استعراض ماسك من هذه النقود في مصر برينا أنها إغريقية في طرازها والموضوعات التي تصورها حتى عهد بطلميوس الرابع، عندما نجد على هذه النقود تصويرًا يجمع سيرابيس وإيزيس، وإن كان بطلميوس الرابع وأرسينوي الثالثة قد صورا على النقود في شكل أبولو وأرتميس. وفي السلسلة الأولى مننقود بطلميوس الخامس (حوالي عام 200ق.م) نجد موضوعًا جديدًا هو رأس سيدة يمتاز تصفيف شعرها بجدائل قصيرة ملفوفة كاللوب. وتتهدل على جانبي الرأس فوق الأذنين، ثم تلي ذلك جدائل من نفس النوع وإنما أطول من الأولى وتصل حتى الكنف، ويزين قمة الرأس تاج من الغاب. ويظهر هذا الموضوع ثانية على نقود بطلميوس السادس. ويفسر البعض هذه الرأس بأنها إيزيس مرتدية إكليلاً من سنابل القمح. لكن بما أنها تفتقر إلى التاج ذي القرنين الذي من سنابل القمح، لكن بما أنها تفتقر إلى التاج ذي القرنين الذي يميز رءوس إيزيس، وبما أن رأسا معاصرة مغطاة بجلد الأسد قد فسرت بأنها تمثل الإسكندرية، فلا يبعد أن هذه الرأس كانت تمثل مصر. ونلحف في تصفيف شعر هذه الرأس ترتيب الجدائل اللولبية المألوفة في ليبيا على نمط الجدائل المصرية بنوعيها، الطويل الذي يصل إلى الكتفين والقصير الذي يتهدل على الجانبين أمام الأذنين، ونرى عناصر مصرية أخرى على نقود بعض البطالمة المتأخرين. إذ نجد على نقود بطلميوس السادس والثامن زهرة اللوتس، وعلى نقود بطلميوس التاسع والثاني عشر وكليوبترة السابعة تاج إيزيس وهو يتألف من قرص الشمس يحوطه قرنان ونعلوه سبلتان من القمح.

إن هذه الموضوعات المصرية قد صورت على النقود بطراز إغريقي، فبقى طابع النقود الطبلمية إغريقيًا نقيا. وقد كانت الحال مماثلة لذلك في التماثيل أيضًا، فإن تصوير موضوعات مصرية بطراز إغريقي لم يؤثر في طابعها، ومثل ذلك تمثال من البازلت يصور الآلهة إيزيس واقفة علىالنحو المألوف في التماثيل المصرية ومرتدية رداءً طويلاً أصبح خاصة من خواص تصويرها بالطراز الإغريقي. وتوجد أمثلة متعددة لتصوير أميرات من أسرة البطالمة في صورة إيزيس بطراز إغريقي تتمثل فيه مميزات الفن الإسكندري.

ونجد في النقوش البارزة أمثلة طريقة متعددة تمتزج فيه العناصر المصرية والإغريقية، ومثل ذلك لوحة من البازلت عليها تصوير للإله الإغريقي هرمس وقد صور على قطعة من الساردونيكس بطراز إسكندري جميل، منظر جانبي لتمثال نصفي لسيدة تحمل على رأسها نقابًا يعلوه تاج إيزيس. ويبدو أن هذه السيدة هي برنيكي الثانية زوج بطلميوس الثالث، وعلى قطعة مماثلة. صور بطراز مماثل بطلميوس الرابع في صورة هاربوكراتس. وهو يرتدي تاج الوجهين. ومن أمثلة النصب الجنازية الإغريقية التي تظهر فيها عناصر مصرية، نصيب جنازي من الحضرة صنع من الحجر الجيري وصور عليه شخص واقف إلى جانب مذبح صغير يجلس أمامه صقر. ومن أبدع الأمثلة لهذا النوع من النقوش البارزة على الآنية المعدنية ما نراه في أحد النماذج المصنوعة من الجص، وهو يصور لنا في الوسط تمثالاً نصفيًا للآلهة أثينا يحيط به أفريزان زخرفيان منقولان عن الفن المصري، يتألف أحدهما من أزهار اللوتس وزخارف تقليدية رتبت على التعاقب مع الأزهار. ويتألف الإفريز الآخر من صف من البط الطائر، بحيث تقف بطتان فوق كل زهرة من أزهار اللوتس. وعلى صفحة برونزية مستطيلة الشك نجد تصويرًا لإيزيس وسيرابيس بطراز إغريقي تتمثل فيه كل مميزات الفن الإسكندري .

وننتقل الآن إلى الكلام عن التماثيل التي تصور موضوعات إغريقية بطراز مصري، وهي مقصورة فيما نعلم على تماثيل ملوك وملكات البطالمة ومن أمثلة ذلك تمثالان يبدو أن أحدهما لبطلميوس الثامن والآخر لبطلميوس الحادي عشر وتظهر في كليهما خواص فن النحت المصري البطلمي في فترته الثالثة دون أن يبدو فيهما أي أثر إغريقي بسبب مووضعهما. وتؤيد ذلك أيضًا لوحات النقش البارز التي تزين جدران المعابد، فهي قد تصور الإسكندر الأكبر أو ملوك البطالمة وملكاتهم، ولكنها تصورهم في شكل الفراعنة وملكاتهم بطراز مصري صميم. ولا تشذ عن ذلك النقوش البارزة التي تزين الأنصاب، مثل تلك اللوحات التي يزين قمتها قرص شمس له جناحان ويحيط به صلان، وتحت ذلك بطلميوس الرابع مرتديًا تاج الوجهين، وممتطياً صهوة جواد، ويطعن عدوًا له بحرية طويلة، وتقف وراءه الملكة أرسينوي الثالثة، وهي تمسك في إحدى يديها صولجانًا في شكل اللوتس وفي اليد الأخرى علامة الحياة. وعلى الرغم من أن الملك والملكة غير مصريين وكذلك فكرة ركوب الجواد والحربة الطويلة، فإن طراز النقش مصري صميم.

ليست هناك تعليقات: